يَشهد العالم تطوّراً في بيئات الأعمال المختلفة عاماً بعد عام، فمَع ازدياد حجم الأعمال يزداد حجم العمليّات وتعقّدها، وتزداد معهُ حجم البيانات، وهذا الازدياد الكبير في حجمِ البيانات قد غدى ظاهرةً جديدةً سارع الجميعُ للاستفادة من الإمكانات التي ستنشأ عنها كُلٌّ في مجالهِ، ومع هذا الاهتمام الكبير من قِبَل الشّركات (ويُقصَد بها في سياق الحديث "عملاء التدقيق") للاستفادة من هذه البيانات، قامت بدورِها شركات التّدقيق (ويُقصَد بها في سياق الحديث "شركات التدقيق الخارجي") بالبحث عن الطّرق و الوسائل التي يُمكن من خلالها دمج هذه التقنيّات الحديثة الناشئة في صُلب عملها، ومن هنا ظهرت أهميّة هذا البحث، من كون هذه الظّاهرة الّتي تم تسميتُها بالبياناتِ الضّخمة قد أصبحت من أكثرِ المواضيعِ اهتماماً حولَ العالم، وأصبح البحث في إمكانيّات تطبيقِها على إجراءات التّدقيق مطلباً وغايةً لزيادة كفاءة و فاعليّة التدقيق، وبَقي السّؤال الذي يدورُ في الأذهان هو كيف سيتمّ هذا الاندماج بين المجالين؟ وما هي النّواحي الّتي ستؤثّر بها هذهِ الظّاهرة؟، وهنا نشأَت المُشكلة التي طَرحت مجموعة تساؤلات لمعرفة فيما إذا تمّ تطبيق التقنيّات المُرتبطة بهذه الظّاهرة على إجراءات التّدقيق، فما التغييرات التي ستطرأ على هذهِ الإجراءات وأدلّة التدقيق المرتبطة بها؟ وبِما أنّ هذه التقنيّات هي تقنيّات الكترونية، فهل ستساعد المدقّق في اختبار المُجتمع الإحصائي بدلاً من اختبار العيّنة؟ بالإضافة لتسليط الضّوء على أهمّ المعوّقات والفُرص الّتي من المُمكن أن تُواجِه تطبيق هذه التقنيات في بيئة العمل السوريّة. وعند الإجابة على هذهِ التساؤلات سيحقّق الباحث مجموعة من الأهداف تتمثّل في زيادة الفهم والمعرفة حول أهم تقنيات البيانات الضّخمة وطريقة تأثيرها بإجراءات التّدقيق، وإظهار الأشكال الجّديدة للبيانات الناشِئة وسُبل التعامل معها في هذه المهنة، وذلك للوصول إلى زيادة في الكفاءة والفاعليّة عند القيام بالإجراءات الجّديدة.
لقد استخدمَ الباحث المنهج الوصفي التحليليّ للحصول على نتائِجه من خلال اعتماده على المُقابلات مع مجموعة من المدقّقين العاملين في شركات ومكاتب التّدقيق في مدينة دمشق، وقد خَلُص إلى مجموعة من النّتائج أهمّها هو وجود دور مهم للبيانات الضّخمة في تغيير إجراءات التّدقيق، فبينما كان الاعتماد في الإجراءات على اختبارات التّفاصيل بشكل كبير جدّاً على حِساب التحليلات، أصبح اليوم الاعتماد على التّحليلات في ظلّ استخدام تقنيّات البيانات الضّخمة أكبر بكثير من الاعتماد على اختبارات التّفاصيل، وهذا أدّى لظهور أشكال جديدة من أدلّة الإثبات لم يعتَدِ المدقّق اختبارها سابقاً، كما أتاحت له هذه التّقنيات الفرصة ليقوم باختبار كامل المجتمع الإحصائي ليحصل على تأكيدات مثل الدقّة والاكتمال مُعتمداً على مدقّق تكنولوجيا المعلومات، والّذي سيزيد دوره بشكلٍ كبير في مثل هذه الاختبارات. وأخيراً وجد الباحث أنّ هناك صعوبة في تطبيق هذه التّقنيات ضِمن بيئة العمل السّورية في الوقت الحاضر نتيجةً للظّروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد، وضِعف اعتماد الشّركات على مثل هذه التّقنيات أدى أيضاً لزيادة صعوبات التّطبيق لدى المدقّقين، ولكن مع ذلك فهي تكنولوجيا واعِدة وسيكون لها الأثر الكبير في المستقبل على تقليل الوقت والجهد المبذولَين من قبل المدقّق، وبالتالي سينعكس ذلك على انخفاض التّكاليف.
بنهاية البحث قدّم الباحث مجموعة من التوصيات من أجلِ المساهمة بتطوير مِهنة التّدقيق، مِنها زيادة الاهتمام بعلوم البيانات والبِدء بتطبيق تقنيات البيانات الضّخمة والتّحليلات، مع إبراز دور الهيئات النّاظمة في تحسين دور المدقّق في المجتمع والاهتمام بتأمين كل ما يحتاج معرفته عن آخر التّطورات في هذه المهنة وطُرق التطبيق الخاصة بها.