تمثّل الهدف الرئيس للبحث فى دراسة دور استشراف المستقبل في تحقيق الرّيادة المجتمعية، ومناقشة الإشكالية البحثية "يوجد دور وتأثير لاستشراف المستقبل في تحقيق الرّيادة المجتمعية"، والإجابة عن التّساؤل الرّئيس التالي: "ماهو دور استشراف المستقبل في تحقيق الرّيادة المجتمعية"، وماينتج عن ذلك من فهم لكيفية تمكين المؤسسات على اختلافها من صنع مستقبلها المرغوب، وتوضيح المنفعة المؤسسية والمجتمعية والوطنية من اتّباع المنهج الاستشرافي بإعادة توجيه السياسات وصياغة الاستراتيجيات بناءً على اكتشاف الأوضاع غير المواتية واستقصاء المتطلبات الجديدة للبيئة المستهدفة، بالإضافة لفهم وربط لدور ريادة الأعمال المجتمعية في تنمية المجتمع ومعالجة مشكلاته باستدامة، والتّعرف على دور وتأثير الاستشراف الاستراتيجي للمستقبل بأبعاده (التّحليل البيئي الاستراتيجي، الرؤية المستقبلية، التفكير الاستراتيجي، التشاركية) في الرّيادة المجتمعية بأبعادها (الابتكار المجتمعي، الأثر المجتمعي/التنموي، الإدارة الاستراتيجية للموار بكفاءة وفاعلية، الثقافة الرّيادية، المبادرة)، ومحاولة تحديد الأبعاد الأكثر تأثيراً.
اعتمد البحث لتحقيق أهدافه على المنهج الوصفي التّحليلي المبني على الدّقة والشمولية، وعلى الدّراسات التحليلية والاستطلاعية، والتأصيل المفاهيمي المكثف لمتغيري البحث الرئيسين المتمثلين باستشراف المستقبل والرّيادة المجتمعية، وعلى الرّبط بالإطار التّطبيقي للبحث بدراسة حالة هيئة التّميز والإبداع التّابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الجمهورية العربية السّورية، كأنموذج مؤسسي رائد، لمناقشة تطبيق مفاهيم الاستشراف الاستراتيجي المستقبلي والرّيادة والابتكار في استراتيجية عمل الهيئة والأثر المجتمعي والتّنموي لبرامج عملها وخدماتها المُقدمة، وتمثلت الأدوات الرئيسية للبحث بالأداة الاستطلاعية للمسح من خلال تحديد منهجي مُسبق للمحاور المُستهدفة للمسح والتحليل، واستمارات أسئلة مُتعددة محدّدة مسبقاً للمقابلة المعمّقة، وأداة الملاحظة العلمية المنظّمة والمقصودة عن كثب.
وتوصل البحث للنتائج المُستخلصة الآتية:
هناك توجّه إيجابي لدى الهيئة باستشراف المستقبل، وتوجّه إيجابي عالي نحو الرّيادة المجتمعية، ويوجد دور فعّال لاستشراف المُستقبل في تحقيق الرّيادة المجتمعية بدراسة حالة الهيئة.
يوجد دور هام للرّؤية المستقبلية والتّفكير الاستراتيجي في أداء هيئة التميّز والإبداع، وفي التخطيط لتنمية الرّيادة المجتمعية والابتكار المجتمعي في المجتمع السوري.
يوجد تأثير للتحليل البيئي الاستراتيجي للبيئة الداخلية والخارجية للهيئة بإرساء مفاهيم الرّيادة المجتمعية والتّخطيط لنشر الثقافة الرّيادية والابتكار المُجتمعي والمبادرة في مجتمع المستفيدين والمستهدفين ببرامج عملها.
يوجد دور وتأثير إيجابي للنّموذج التّشاركي في اتخاذ القرار المُستقبلي ورسم السيناريوهات المستقبلية في الهيئة في إدارات برامجها ومجالس شؤونها العلمية المختلفة ومجلس الأمناء.
يوجد أثر اجتماعي وتنموي إيجابي من الرّؤية الاستشرافية المُستقبلية التي تتبصر بها الهيئة وتطرح من خلالها برامجها التّدخلية في قطاع التّعليم والمجتمع ككل، بما يحقق رفع سوية التعليم العام والمساهمة في خلق جيل من الشباب الرائد والمبتكر القادر على قبول الآخر وعلى التغيير الإيجابي الفعّال والمستدام في المجتمع، ونشر ثقافة الإبداع والابتكار في المجتمع وتمكينها، وتحقيق التّنافسية الرّائدة على المستوى المحلي والعالمي.
أظهر البحث أنّ استشراف المستقبل مدخل من مداخل تطوير أداء المؤسسات، ويرقى لأن يكون توجّه استراتيجي إلزامي وهام جداً للمؤسسات وخاصة مؤسسات القطاع العام الّتي يُتطلب أن تكون خدماتها ذو أثر مُجتمعي مُستدام، بالإضافة لأهميته في تقييم الحالة المستقبلية للبيئة المؤسسية الدّاخلية والخارجية، ويسبق التخطيط الاستراتيجي ويُساعد في توجيهه بشكل كبير، بما يُحدث تغييرات في حدود البدائل الاستراتيجية المختارة وإدارتها بفعالية أكبر، كما استنتج البحث أنّ التّمهيد لفهم استشراف المستقبل والدّراسات المُستقبلية في المؤسسات السّورية على اختلافها مازال خجولاً، حيثُ لايوجد منهج عام لاستشراف المستقبل على المستوى الوطني، أو آلية عمل موحدة لكافة مؤسسات الدولة بهذا الخصوص.
يوجد نهج عام على المستوى الوطني للرّيادة المجتمعية ضمن إطار عمل هيئة التميّز والإبداع ولكن يحتاج تخطيطاً أكثر، في حين أنّ اندماج المؤسسات المحلية وخاصة الحكومية منها في أنشطة وبرامج ريادة الأعمال المجتمعية ما زال متوسطاً، ويحتاج العمل بشكل مكثف أكثر، كما لايوجد رؤية على المستوى الوطني للريادة المجتمعية والابتكار المجتمعي أو آليات موجّهة لتمكين ونشر ثقافة الرّيادة المجتمعية والابتكار المجتمعي في الجمهورية العربية السورية بكافة المؤسسات المعنية.
توصل البحث أيضاً إلى أنّ ريادة الأعمال المجتمعية مفهوم حديث نسبياً، والمفهوم المهني لم يكتمل بعد، وتُعتبر الرّيادة المجتمعية مدخل هام للنهوض بالمجتمعات وخاصة بعد الحروب والأزمات.
إنّ دور استشراف المستقبل في تنمية اتجاهات المؤسسات نحو ريادة الأعمال المجتمعية جيد إلى حد ما من حيث البصيرة المستقبلية بأهميّة توجيه المجتمع نحو تبني المفهوم، ولكن الدّور الذي يلعبه الاستشراف مازال أدنى من المستوى المأمول من حيث تحويل مفهوم الريادة المجتمعية لبرامج عمل تطبيقية تدخّلية منتشرة جغرافياً وتداخلية مع أدوار المؤسسات الحكومية وقطاع الأعمال ويُقاس أثرها التنموي والمجتمعي.
كما توصل البحث لعدة مقترحات ترتبط بهيئة التميز والإبداع واستراتيجية عملها وكان أهمها:
صياغة هيئة التميّز والإبداع لرؤية مستقبلية ذو توجّه ريادي تعتمد على استشراف المستقبل والتنبؤ به، وتطوير خطة استراتيجية استشرافية موضوعة على أسس علمية سليمة، والتّحليل الاستراتيجي لأداء الهيئة باستمرار للتّعرف على نقاط القوة وتدعيمها، ونقاط الضّعف والتّغلب عليها، واستكشاف الفرص المستقبلية وتوقع التهديدات المحتملة، وطرح السيناريوهات المُلائمة لمواجهتها، وتوظيف كافة أدوات استشراف المستقبل لتحقيق ذلك، بما يسهم في توجيه السياسات وتحديد الأولويات بالشكل الأمثل ووضع وتطوير الخطط المستقبلية.
استخدام الأساليب الكمية والنوعية، وتفعيل الاعتماد على الاحصائيات الرقمية بالتخطيط، والتحليل الكمي بشكل أكبر من المعمول به حالياً، بما يخدم تكوين مشهد مستقبلي أكثر دقة وموضوعية.
إعطاء جهد واهتمام متساوٍ تجاه الإدارات الثلاث للهيئة والتّركيز على البرامج الأكاديمية، والدّراسة الجدية لمقترح إحداث أكاديمية للمتميزين باختصاصات مختلفة تنطلق من الحاجات المجتمعية.
تشكيل فريق متعدد الاختصاصات ضمن الهيئة لإعداد الدّراسات المستقبلية وبمشاركة المتميزين.
العمل على خلق بيئة تمكينية حاضنة لتوطين المتميزين والمبدعين بعد إنهاء مسار تأهيلهم الأكاديمي، واقترح البحث أريع سيناريوهات مختلفة لتوطين المُتميزين الخريجين من مسار التأهيل الأكاديمي.
إطلاق مشروع لإدماج وتنمية رياده الأعمال المجتمعية في المناهج التدريسية والفعاليات الوطنية بطريقة أكثر شمولية وكفاءة.
تحديد خارطة مؤشرات أداء مُعتمدة لقياس أداء الهيئة ووضع مؤشرات لقياس الآثار التنموية والمجتمعية.
تدعيم استراتيجيات التّواصل الفعّال بين كافة الحلقات المُستهدفة والفاعلة في أداء عمل الهيئة، و توسيع وتفعيل الشراكات المحلية والدولية.
إشراك مجتمع المُستفيدين والفاعلين برؤية الهيئة ورسالتها، ووضع رؤية تشاركية توافقية بين كافة الأطراف المتفاعلة، واعتماد السيناريو الأمثل لتوطين المتميزين بقطاعات الاقتصاد الوطني المختلفة بالتشاركية فيما بينها.
تعزيز اتّباع مناهج استشراف المستقبل بالتّخطيط للمناهج والتّخصصات الأكاديمية الجديدة، وبرصد سوق العمل، وبما يرتبط مع السياسات التخطيطية للدولة، وإشراك المجتمع المحلي بالبرامج واقتراح المبادرات والإسهام بتأهيل المتميزين
تعزيز البحث العلمي في كل مراحل تأهيل المتميزين، وتوفير مخابر وحواضن بحثية، وربط المتميزين مع طلاب الدراسات العليا بالخارج، وتشكيل فرق بحثية.
تعميم المشاركة في الأولمبياد باستراتيجيات جماعية، والتّأطير المؤسساتي لمسابقات المناظرات.
وضع وتفعيل خطة استراتيجية لإدارة موارد الهيئة المُتاحة بكفاءة وفاعلية، والتخطيط لشجرة مصادر تمويل جديدة داعمة، ووضع خطة منهجية لإدارة المخاطر والأزمات المحتملة.
استخدام منهجية تحليل الاحتياجات التدريبية في تدريب الموارد البشرية العاملة في الهيئة، واستكمال الكادر والهيكل الوظيفي للهيئة، وتعديل نظام تعويضات العاملين فيها.
وضع وتنفيذ استراتيجية للتحول الرّقمي لدمج التكنولوجيا الرقمية في مجالات عمل الهيئة.
بالإضافة إلى التوصيات العامة على المستوى الاستشرافي الوطني وأهمها:
بناء استراتيجية وطنية مُتكاملة لاستشراف المستقبل تعزز تنافسية الدّولة العالمية، والالتزام الجاد بشمولية ونوعية متطلبات الاستراتيجية الوطنية المأمولة ببناء نماذج مستقبلية للقطاعات كافة.
تطوير المقدرات والمهارات الوطنية للتخطيط المستقبلي بعيد المدى بالسيناريوهات، وتطوير برامج التدريب وتنمية المهارات القيادية والمهارات النّاعمة واللّازمة لرواد الأعمال المجتمعيين.
تصميم شجرة مصادر تمويل لريادة الأعمال المجتمعية.
تشجيع المبادرة الاجتماعية والابتكار المجتمعي كطريقة لتحديد وإحداث تغيير اجتماعي مُحتمل، من خلال مزيج من: التّدخل الحكومي السياساتي والدّاعم، وريادة الأعمال الاقتصادية وقطاع الأعمال، والريادة المجتمعية والمجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني.
توطين الفكر الإبداعي في المجتمع وخلق بيئة تمكينية للإبداع والابتكار بحوامل تشريعية ميسّرة وأنظمة مؤسسية كفوءة ومرنة وبنى تحتية داعمة، بما يضمن رفع مؤشرات منظومة الابتكار ككل وخاصة مؤشرات مخرجات الابتكار.
اختتم البحث بعرض نموذج استراتيجي مُقترح لصناعة المستقبل وتنمية الاتجاهات في المجتمع ومؤسساته نحو دعم دور الإبداع والرّيادة المجتمعية والابتكار المجتمعي، وفق ثلاث محاور رئيسية: محور الشباب/ المجتمع المتميّز، ومحور الحوكمة المؤسسية، ومحور القطاعات المستهدفة، بإطار تخطيط مجتمعي تنموي تشاركي ذكي، ورؤية مستقبلية وتفكير استشرافي لمكونات المجتمع، بهدف الوصول لأفراد ومجتمع مبادر، وتعميم الابتكار المجتمعي، والإدارة الاستراتيجية الكفوءة والفاعلة لموارد المجتمع (أفراد – مؤسسات – أنظمة مؤسسية – قطاعات وموارد الدّولة)، وتبني التحليل البيئي الاستراتيجي للفاعلين والتشاركية بينهم، وبناء الثقافة الريادية للمؤسسات الفاعلة لتقود استشراف المستقبل والإبداع والابتكار ضمن قطاعاتها، وبما يحقق أثر مجتمعي مستدام وصناعة المستقبل المأمول.